تمكن علماء الفضاء الذين يعملون في تلسكوب متطور منصوب في هضبة بعيدة في الصحراء التشيلية من الحصول على أكثر الصور تفصيلا ووضوحا لما يعرف بأول ضوء ظهر في الكون.
والدراسة التي تم من خلالها الوصول إلى هذه النتائج الصورية الباهرة توفر أول التأكيدات المستقلة للنظريات التي تتحدث عن أصل المادة والطاقة وكينونتهما.
الصور الملتقطة تعتبر أول الاختبارات العلمية التطبيقية لنظريات نشوء الكون وتطوره، وهي أول دليل علمي يفيد بأن الكون مسطح، وتهيمن عليه المادة والطاقة المظلمة
العالم انتوني ريدهيد
وقد نجح التلسكوب، الذي يعرف باسم جهاز تصوير خلفيات الفضاء السحيق، في التقاط أدق وأبسط الاختلافات بين الموجات المتناهية الصغر في عمق الفضاء، أو ما تعرف لدى العلماء باسم "أصداء الانفجار (الانبلاج) العظيم".
وتلك الموجات الفائقة الصغر هي عبارة عن إشعاعات أمضت مسافرة في أبعاد الفضاء الموغلة في القدم مدة تقدر بنحو 14 مليار عام، أي منذ ظهور أول الذرات في الكون، حسب نظرية الانفجار أو الانبلاج العظيم.
وتبيّن الخرائط المصورة للذبذبات والاختلافات أول تشكيلات الكون المحيط بنا، بمعنى أنها البذور أو الأصول الأولى للمادة والطاقة، التي تطورت وتحولت بدورها إلى ما نعرفه الآن من مئات الآلاف من التجمعات الكونية للمئات من المجرات والبرازخ والتجمعات النجمية والكوكبية.
ويتكون هذا الجهاز الكبير من 13 تلسكوبا تعمل بالموجات الفائقة الصغر متصلة ببعضها، وهي منصوبة على ارتفاع 5080 مترا فوق سطح البحر في أكثر الصحارى جفافا في العالم، وهي صحراء اتاكاما في تشيلي.
مشاهدات مدهشة
وتقول ريتا كولويل مديرة المؤسسة الأمريكية القومية للعلوم إن نتائج هذه الدراسة تعتبر الأفضل والأكثر أهمية من نوعها حتى الآن "فكل صورة جديدة للكون في بدايته تزيد من معرفتنا بكيفية مولد الكون وبداياته، ومع استمرار تمدد الكون واتساعه تزداد وتتوسع معرفة الانسان بأصل الكون وكيفية تمدده".
صور عمرها 300 ألف عام
ويقول رئيس فريق البحث انتوني ريدهيد: "لقد رأينا، وللمرة الأولى، كيف منحت تلك البذور الأولى الحياة للمجرات والتجمعات الكونية الهائلة الحجم، وهو ما يضع النظريات التي تجتهد في إثبات كيفية نشوء الكون تحت المجهر".
ويضيف هذا العالم أن "الصور الدقيقة التي التقطها هذا التلسكوب تعتبر أول الاختبارات العلمية التطبيقية لنظريات نشوء الكون وتطوره، وهي أول دليل علمي يفيد بأن الكون مسطح ببعدين فقط، وتهيمن عليه المادة والطاقة المظلمة".
وتدعم المعطيات التي توصل إليها العلماء مستفيدين من التلسكوب، وخصوصا تلك المتعلقة بتوزيعات دراجات الحرارة، التعديلات التي جرت على فكرة نظرية الانفجار العظيم، وهي الفكرة التي تعرف باسم "نظرية التضخم".
الطاقة السوداء
يذكر أن فريقا من علماء الفضاء الدوليين كان قد كشف في أبريل/ نيسان من عام ألفين عن أول أدلة دامغة تدعم النظرية القائلة بأن الكون مسطح، وهو ما يعني أن خطوطه المتوازية لا تلتقي ولا تتداخل.
ومنذ ذلك الوقت واصل العلماء، مستخدمين أكثر من أسلوب للرصد والمتابعة العلمية، في تحليلاتهم لأصغر وأضعف التبدلات والتغييرات التي يمكن أن تطرأ على درجات الحرارة في الموجات الكونية الفائقة الصغر.
وتساعد المعطيات والمعلومات العملية الجديدة العلماء على توسيع معرفتهم بالأسرار العصية التي تحتويها الطاقة السوداء أو المظلمة، والتي يبدو أنها تقاوم الجاذبية ولا تتأثر بها، بل وتجبر الكون على التمدد والتوسع بسرعات متزايدة باستمرار.
BBCARABICالسبت 25/